ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

معرفة النفس تؤدي إلى تهذيب النفس من الرذائل

0:08 - March 02, 2024
رمز الخبر: 3494798
إکنا: إن معرفة النفس تؤدي تلقائياً إلى إصلاح النفس وتهذيبها من الرذائل حيث يعرف المرء ما يعرض لها من أحوال حسنة أو سيئة، كما يعرف خصائصها وقدراتها وطاقتها وإمكانياتها ومواهبها واستعداداتها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: "غايَةُ الْمَعْرِفَةِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ".

واعرف ما تشاء أن تعرفه، وإن شئت أن تكون موسوعياً في معرفتك فليكن، اعرف ما في الأرض كل الأرض، واعرف ما في السماء كل السماء، واعرف ما هو مشهود لك، وما هو غائب عنك، واعرف علوم الأولين والآخرين، واسبق البشر فيما تعرف، اسبقهم إلى معرفة ما سيكون في المستقبل من أمور الدنيا والآخرة، كل ذلك جيد، ولكنه لن يؤتي ثماره المرجوة إن كنت جاهلاً بنفسك، فمعرفة النفس هي غاية كل معرفة، وتنمية فضائلها وتطوير ملكاتها، ومعالجة نقاصها وتهذيبها هو الغاية الكبرى لكل معرفة.
 
سَلْ نفسك الكريمة: لماذا أسعى وراء المعرفة، وما الغاية من تحصيلها وزيادتها ومراكمتها؟ وأنت تعلم أنك مفطور على طلب المعرفة، تريد أن تعرف كل شيء يمكن معرفته، فلا طلب لديك يسبق هذا الطلب، أليست الغاية من ذلك نفسك بالذّات؟ أليست الغاية من المعرفة أن تُلَبّي حاجات نفسك كي تطمئن ويصلح بالها؟ وإذا فما يفيدك أن تعرف كل شيء وتجهل نفسك؟!

البشر كل البشر يتطورون مع كل يوم، ويكشفون النقاب مع كل ساعة عن مزيد من المعارف والعلوم يبتغون من ذلك أن يلبّوا حاجاتهم المختلفة ويُسَهِّلوا حياتهم وعَيشهم، والهدف النهائي لهم أن يُريحوا أنفسهم ويفوزوا بالعيش الهانئ الكريم.
 
لهذا كانت غاية المعارف كلها أن يعرف المَرء نفسه، ولهذا يضع الإسلام معرفة النفس في رأس الأولويات بل الضرورات المعرفية الكُبرى، وهي ليست معرفة مُجرَّدة تبقى في حَيِّز العقل والفكر، بل تترب عليها آثار تمتد على مساحة الحياة الإنسانية كلها، فمنها تنطلق مسيرة الإنسان نحو الكمال، وبها وحدها يترَقَّى في كمالاته المنشودة، وبها يضع نفسه في موضعها اللائق بها، وهو موضع الكرامة والتكريم، وموضع الاحترام والتقدير، وبها أي بمعرفة النفس يصونها عَمّا لا يليق بها وينال من كرامتها.
 
معرفة النفس تؤدي تلقائياً إلى إصلاح النفس وتهذيبها من الرذائل حيث يعرف المرء ما يعرض لها من أحوال حسنة أو سيئة، كما يعرف خصائصها وقدراتها وطاقتها وإمكانياتها ومواهبها واستعداداتها، ويعرف المضار والمنافع المادية والمعنوية لها، ويعرف شرافتها وكرامتها فلا يُذلها ولا يهينها ولا يخضع لرغباتها وغرائزها، بل يتجنَّب كل فعل أو موقف يجلب إليها ما لا يناسب كرامتها، ثم يعمل على إصلاحها برفق وعن علم ومعرفة، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى يتمكن من تنمية فضائلها واستثمار طاقاتها وإمكانياتها، وتكميلها بالمعارف الحقة والأخلاق الفاضلة، ويرتقي بها في مدارج الكمال الإنساني يوما بعد آخر حتى يبلغ بها المقام اللائق وهو مقام الفضيلة والقداسة والنزاهة، ومن المعلوم أن فلاسفة الأخلاق يرون أن النفس الأمارة بالسوء تمثل العقبة الكأداء أمام ارتقاء الإنسان وعروجه بنفسه نحو الكمال، وأن الانتصار على النفس وشهواتها وأهوائها هو المرقاة الأهم للعروج بالنفس إلى كمالها المنشود، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال معرفة النفس.
 
إن معرفة الإنسان نفسه شرط أساسي بل وحيد ليضعها في موضعها اللائق بها، وبتلك المعرفة يعرف كيف يختار أهدافه بدقة، وكيف يختار الطُّرُق التي تؤدي به إلى تلك الأهداف، وبها يعرف الدور الذي يجب أن يؤديه في الحياة، ولا شَكَّ في أن ذلك يؤدي إلى طمأنينة النفس وسكينتها، ولهذا يؤكد علم النفس أن معرفة النفس هو العامل الأهم في الصحة النفسية، والتوازن النفسي، وأن العارف بنفسه يَقْدِر على تجَنُّب القلق والاكتئاب والتوتر.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha